Table of Contents
نظام الحكم في الفاتيكان ثيوقراطي يعتمد على الملكية المطلقة و الملكية المنتخبة ، عندما نذكر اسم الفاتيكان سُرعان ما تأخذنا ذاكرتنا إلى أعمالها الفنية الدينية ،
إذ اشتهرت في الفاتيكان الأعمال الفنية الدينية و البابا ، إنها كالحديقة التي تُزيّنها الزهور المختلفة ، تلك الزهور هي الأعمال الفنية الساحرة ، اشتهرت هذه الدولة ببراعة فنونها .
الفاتيكان أصغر دولة مستقلة في العالم بالرغم من أن روما تُحيط بها ، فكيف تأسست الفاتيكان ؟ .. و ما هو نظام حكمها ؟
هذا ما سنتعرف عليه في تقريرنا .
نظام الحكم في الفاتيكان
نظام الحكم في الفاتيكان كان موقع تعارض لاعتماده على الدين بشكل أساسي ، طالبت الحكومة الإيطالية الموحدة بتسليم جميع الأراضي الموجودة خارج أسوار المدينة ،
كان ذلك في القرن التاسع عشر ، و قد سبب هذا الأمر ارتباكاً كبيراً ، كانت سلطة الباباوات ممتدة على المناطق الإقليمية ، و كانت تُعرف تلك المناطق باسم الولايات البابوية
استمرت سلطتهم حتى عام 1870 ، بعدها أحدثت الحكومة الإيطالية اضطرابات كبيرة عندما تدخلت و حاولت السيطرة .
تراجع البابا إلى أسوار مدينة الفاتيكان ، مع رفضه الاعتراف بمملكة إيطاليا كدولة ، في البداية لم تقم إيطاليا بإتباع اسلوب قاسي مع البابا إذ قرروا الانتظار حتى تصدع البابا .
لكن إيطاليا لم تكن صبورة و سرعان ما تخلت عن قرارها ، و احتدمت المواجهة بين الكنيسة و الحكومة الإيطالية ، و استمر هذا الصراع لمدة ستين عاماً مع قبول العديد من الباباوات هذا الأسر الذي فرضوه على أنفسهم .
تم التوصل إلى إتفاقية تُرضي الطرفين في عام 1929، حيث نصت الإتفاقية على الاعتراف بمدينة الفاتيكان كدولة ، و لها نظامها السيادي المميز عن الكرسي الرسولي ،
و في خطوة لإصلاح الأخطاء المُرتكبة قامت الحكومة بمنح الكنيسة مبلغاً كبيراً ، حيث أخذت الكنيسة 92 مليون دولار ، و ذلك لتعويض خسارة الولايات البابوية .
الكرسي الرسولي يُعتبر مقر الحكومة ، نظام الحكم فيها ملكي ، أي أن البابا هو الملك ، يتم اختيار الملك من قبل كلية الكرادلة ، و يتحكم البابا في السلطة التنفيذية ، التشريعية و القضائية في المدينة ،
كما يتم تفويض أشخاصاً آخرين بسبب اتساع مهام البابا ، كي لا يحدث اي إهمال لأي تفصيل في المدينة .
هناك العديد من ممثلي الدولة و أصحاب السلطة تم تعيينهم من قبل البابا ، مثلاً يتم تفويض اللجنة البابوية لدولة الفاتيكان للإشراف على المجالات التشريعية ،
و يُشرف رئيس هذه اللجنة على السلطة التنفيذية ، و يُسمّى هذا الرئيس محافظ مدينة الفاتيكان ، و لا تزال الفاتيكان موطناً للبابا والكنيسة الرومانية الكاثوليكية حتى يومنا هذا .
تاريخ الفاتيكان
نالت الفاتيكان استقلالها في 11 فبراير 1929 م ، بفضل معاهدة لاتران التي وقعها البابا مع رئيس الحكومة الإيطالية ، و قد بدأت ملامح دولة الفاتيكان تتشكل من خلال الإمبراطورية الرومانية ، حيث كانت المنطقة عبارة عن منطقة مستنقعية تسمى Ager Vaticanus.
و خلال فترة قصيرة أصبحت المنطقة يكسوها الترف و البناء الفخم ، حيث تجد القصور و الفيلات التي يغلب عليها الفخامة و الرخاء ، كما يوجد سيرك الترفيه الروماني .
الإمبراطورية الرومانية لم يكن موقفها إيجابياً من ظهور الدين الجديد ، ذلك الدين الذي يمثل المسيحيين الذين آمنوا بآلهتهم ، إذ رأت الإمبراطورية أن هذا الدين الجديد يُهدد أمنها واستقرارها .
و يُشاع أن الإمبراطور نيرون قام بإعدام القديس بطرس مع العديد من المسيحيين في قاعدة تلة الفاتيكان في عام 64 بعد الميلاد ، و قد دُفنوا بعد وفاتهم في مقبرة بالمنطقة ذاتها .
عندما تولّى الإمبراطور قسطنطين السلطة حينها اعتنق الرومان المسيحية ، و قاموا ببناء بازيليك فوق قبر القديس بطرس في عام 324 بعد الميلاد .
القديس بطرس
فرضت شخصية القديس بطرس وجودها ، حيث كان زعيم للكنيسة الأولى ، و يُعتبر شخصية مهمة في الكاثوليكية ، و هذا ما ساعد في جعل الكنيسة مركزًا روحيًا للحجاج المسيحيين ،
فاقتضت الحاجة ترميم مساكن رجال الدين و إنشاء مساكن إضافية ، وتشكيل سوق لتلبية متطلباتهم ،عندها أصبحت المنطقة التجارية مزدهرة في بورجو .
تم بناء الجدار المحيط بمدينة الفاتيكان في عام 846 بعد الميلاد ،بقي الجدار الذي يبلغ ارتفاعه 39 قدماً قائماً حتى اليوم ، لكن الكنيسة تم تدميرها من قبل مجموعة من القراصنة العرب ،
لم يكتفوا بتدمير الكنيسة بل عاثوا فساداً في المدينة ، و قد بقيت منطقة بورجو .
تغيرت ملامح المنطقة مع مرور الوقت ، إذ طُوّر كل شيء فيها ، و كان لبناء المقر الكبير المجاور لكتدرائية القديس بطرس نصيب من هذا التطور ، كما تم الاهتمام بأسوار المدينة في عام 1277 .
تم بناء ممر سري بطول نصف ميل لربط الفاتيكان بقلعة سانت أنجيلو ، يُسمى الممر بالإيطالية باسم Passetto di Borgo ، يبلغ طول هذا الممر 800 متر ، و قد كان السبيل لهروب البابا عندما وجد نفسه في خطر .
ومن المعالم البارزة أيضاً في مدينة الفاتيكان ” القصر الرسولي ” ، تم إنشاء هذا القصر عام 1450 ، كما تم بناء كنيسة سيستين المشهورة في الفاتيكان ،
و التي بُنيت في سبعينيات القرن التاسع عشر ، قام برسم سقف الكنيسة مايكل أنجلو ، كما عمل المهندس المعماري دوناتو برامانتي بتصميم ساحة بلفيدير ، و بعد وفاته ،
حدث نقاش مُحتدم حول كيفية مواصلة المشروع ، و استمرت النقاشات لمدة طويلة ، ثم اتخذ مايكل أنجلو قراراً شخصياً يُفيد بمواصلة الخطط التي وضعها الفنانون قبله .
كما تم تأسيس مكتبة الفاتيكان التي بدأها نيكولاس الخامس البابا يوليوس الثاني .
دولة الفاتيكان
تمتلك الفاتيكان ستّة مداخل في جدرانها الحدوديّة ، التي تعود للقرون الوسطى و عصر النهضة ، لكن لا يُسمح للعامّة إلا باستخدام ثلاثة منها فقط .
تتمثل تلك المداخل في مدخل ساحة البيازا ، و مدخل قوس الجرس الواقع في واجهة كاتدرائيّة القديس بطرس ، بالإضافة إلى مدخل الجدار الشماليّ الذي يضُمّ متاحف ومعارض الفاتيكان .
الفاتيكان بالرغم من صغرها كما أسلفنا سابقاً ، إلا أنها اكتسبت أهمية كبيرة ، جاءت هذه الأهمية من كونها حكومة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في العالم .
تقع دولة الفاتيكان في وسط جنوب قارّة أوروبا ، على ضفاف نهر التيبر الغربية ، تحديداً في العاصمة الإيطالية روما ، و يبلغ طول حدود الفاتيكان مع روما نحو 3.2كم .
إن هذه الحدود كلّها حدوداً برية ، مما يعني أن دولة الفاتيكان تفتقر بشكل كبير للمياه ، أما موقع الفاتيكان بالنسبة لخطوط الطول والعرض فإنها تقاطع خط طول ’27 °12 شرقاً، مع دائرة عرض ’54 °41 شمالاً .
تبلغ مساحة الفاتيكان 0.44 كم2 وقد ذكرنا أنها أصغر دول العالم ، كما إن أراضي الفاتيكان كلّها مناطق حضريّة تتخذ شكل التلال المنخفضة
و لا نجد فيها غابات حتى لا يوجد فيها أراضي زراعية ولا مراعي .
إذاً ذكرنا أوجه النقص في الفاتيكان المتمثلة في قلة المياه و انعدام الزراعة و الرعي ، جميعها أمور تؤثر تأثيراً كبيراً على الدولة .
المناخ في الفاتيكان معتدل ، إذ تسود الأجواء المعتدلة و الماطرة في فصل الشتاء ، و تبلغ متوسط درجات الحرارة في فصل الصيف نحو 24 درجة مئوية .
السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية في الفاتيكان
نظام الحكم في الفاتيكان مبني على أساس جيد ، و تتألف حكومة الفاتيكان من البابا _ و هو الملك _ يتولّى إدارة الدولة التنفيذية مجموعة من الرجال المُختارين .
مثل رئيس الوزراء ، و رئيس اللجنة البابوية .
تقوم اللجنة البابوية بالإشراف على بعض الأمور ، حيث يقوم البابا باختيار أعضاء اللجنة ، يُوكّل للأعضاء مهمة الإشراف على السلطة التشريعية لفترة خمس سنوات .
أما السلطة القضائية تتكوّن من ثلاث محاكم ، و تعتمد دولة الفاتيكان على القانون الكنسيّ في ما يتعلق بالقانون ، باستثناء بعض الحالات التي يُنفّذ فيها قوانين مدينة روما .
و من الجدير بالذّكر أنّ الدستور البابوي لعام 1967م هو الدستور المعتمد للفاتيكان على الرّغم من ذلك فإنّها تتمتّع بالملكية المطلقة ، يُرمز لنظام الحكم في الفاتيكان بعَلم الدولة ،
الذي أُعتُمد رسمياً في عام 1929م ، العَلم مُربع الشكل مكوّن من شريطين عموديين أحدهما لونه أصفر في الجهة القريبة من السارية و الشريط الآخر لونه أبيض في الجهة الأخرى ، وفي وسط الجزء الأبيض الشعار الذي يدل على نظام الحكم في الفاتيكان .
يتخذ الشعار شكل التاج البابويّ ، و يحوي مفاتيح متقاطعة باللونين الذهبيّ و الفضيّ ، إذ ترمز هذه الإشارة إلى الكرسيّ البابويّ ،
كما تمثّل مفاتيح الجنة التي أُعطيت للقديس بطرس من قبل المسيح ، و يُعتبر المفتاح الذهبيّ رمزاً للقوى الروحية ، في حين يرمز الفضيّ للقوى الدنيوية .
سيطرة الدين في نظام الحكم في الفاتيكان
إن نظام الحكم في الفاتيكان هو نظام ثيوقراطي ، بالإضافة إلى الملكية المُطلقة و المُلكية المنتخبة ، جميعها تصب في معنى واحد و هو سيطرة رجال الدين على السلطة .
يتم تنصيب الباب على أنه الرئيس الروحي و ملك الدولة ، يتمتع بعدة صفات كخليفة القديس بطرس ، و يكون نائب المسيح على الأرض كما يُلقب بالحبر الأعظم و صاحب القداسة و الأب الأقدس .
كثرت الألقاب و التعريفات للبابا منذ عام 1929 ، و يُعتبر لقب الملك سادس لقب أُلقي عليه ضمن سلسلة الألقاب .
يعتقد سُكان الفاتيكان أن الملك هو راعي المسيحيين الكاثوليك كونه خليفة القديس بطرس ، و هذا ما جعل نظام الحكم في الفاتيكان مرتبطاً بالدين و يلزم السّكان بإنجيل متّى التزاماً كبيراً ،
كما يعتبرون أن البابا هو الراعي الروحي في الأرض و أن كُل ما يُدلي به مُباركٌ من السماء ، كل هذا بفضل الإلهام من الروح القدس ، و إن جميع قرارته الدينية صحيحة لا يشوبها خطأ غير مسموح المناقشة بها أو نقضها .
أما أنه فيما يخص القضايا الزمنية اليومية فمن الممكن أن يُخطِئ بها ، ويداوم كاهن يسوعي على منحه سر التوبة .
نظام الحكم في الفاتيكان لا ينفصل عن الدين ، و بما ان البابا يُلقّب بأسقف مدينة روما مسموحٌ له التمتع بجميع صلاحيات الأسقف ، كما أنه رأس الكرسي الرسولي ، و يشكل البابا مع الكردالة والأساقفة ” الرؤية المقدسة ” .
يقوم البابا بمخاطبة العالم في المُناسبات المُختلفة ، كما يصدر عنه البراءة البابوية أو المراسيم البابوية ، وتكون هذه المراسيم مُختصة بعقيدة دينية أو أمراً كنسياً ما ،
و من الممكن أن يتطرق من خلالها للحديث عن القضايا السياسية أو الاجتماعية .
فترة حكم البابا
إن فترة حكم البابا ليست مُحددة بزمن ، فعندما يتم انتخابه يُمنح السلطة مدى الحياة .
إن عدد البابوات المنتخبين حتى الآن ٢٦٥ بابا ، البابا الحالي هو فرانسيس الأول ، يُمنح البابا صلاحيات كبيرة في الفاتيكان ، يُمكن القول أن البابا يتمتع بسلطة لا محدودة .
لكن لا بُدّ من الإشارة إلى أن هذه الصلاحيات نظرية ، تتركز الصلاحيات التشريعية فيما يخص الكنيسة بالمجمع المقدس ، أما الأمور التنفيذية فتشكلها مجامع الفاتيكان أو وزاراتها بعد استشارة البابا وموافقته .
يُنتخب البابا عن طريق المجمع المغلق ، يتولى مهمة الانتخابات حالياً الكرادلة الذين لم يتجاوز عمرهم الثمانين ، و يعتبر الكرادلة هم الناخبون والمرشحون الوحيدون ،
و لا يجوز أن يتجاوز عددهم 120 كاردينالاً ، يتوزعون على مختلف قارات العالم .
مع الأخذ بعين الاعتبار عدد الكاثوليك فإن إيطاليا لديها عدد كبير من الكرادلة ، سبب ذلك كون البابا هو أسقف روما ، و بعد وفاة البابا بخمس عشر يوماً يجتمع المجمع المُغلق لتتم عملية إقتراع البابا الجديد .
يحتاج المرشح لثلي الأصوات خلال الأيام الثلاثة الأولى ثم الأغلبية البسيطة .
الانتخاب
يُعتبر الانتخاب من الأمور المُلفتة للنظر ، فإذا فشل الانتخاب يقوم عميد المجمع بحصر التنافس بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات .
عندما تفشل دورتين انتخابيتين يقوم عميد المجمع بحرق الأوراق ، لكن عملية الحرق ليست عادية بل يُضاف إلى الأوراق مواداً خاصّةً
فتبعث إلى الجموع في الساحة عبر المدخنة دخاناً أسوداً للدلالة على أن عملية الانتخاب قد فشلت ، أما إن انبعث دُخاناً أبيض اللون ، فهو دليل على نجاح الانتخاب .
بعد نجاح الانتخاب يُقسم الكرادلة يمين الطاعة للبابا ، ثم يقوم باختيار اسماً بابوياً قبل أن يظهر للجماهير المُحتشدة ، و يتلو صلاة مباركة المدينة و العالم ،
بعدها يتم توليه نظام الحكم في الفاتيكان في الأحد التالي لتاريخ انتخابه .
نظام الحكم في الفاتيكان مُرتبط بالدين
ارتباطاً وثيقاً ، حيث يتم تولية البابا سُلطة كبيرة ، فيُشرف على جميع أمور الدولة و يضع مُمثلين له ، و قد ذكرنا أن البابا يُنتخب مدى الحياة من قبل مُجمع مُغلق بطقوس خاصة .
حيث يسير نظام الحكم في الفاتيكان يسير تحت غطاءٍ ديني ، لكن بالرغم من أنها أصغر دولة في العالم إلا أنها استطاعت إثبات نفسها .
إن الفاتيكان هي موطن للكنيسة الكاثوليكية ، و هذا مُستمر حتى يومنا هذا فلم يتم تغيير نظام الحكم منذ بداياته .
الفاتيكان أخذت جارتها من روما و من الأم إيطاليا مميزات كبيرة أهمها الفن الراقي و الإبداع المشهور ، و إن اتحاد شعبها على مبدأ ديني واحد سهل عليها أمر التعايش ،
كما جعلها تضع نظام الحكم في الفاتيكان بطريقة دينية مُرضية للجميع .
بالرغم من مُعارضة إيطاليا لاستقلال الفاتيكان في البداية ، إلا أنها قبلت بذلك بعد اتفاقيات عديدة ، لا بل دعمت الكنيسة أيضاً بمبلغ مالي كبير ،
إن نظام الحكم في الفاتيكان أعطى رجال الدين سلطات واسعة .
المصادر والمراجع :
اقرأ أيضًا: